من هو أرستيدس ؟ هو القنصل البرتغالي المقيم في مدينة بوردو بفرنسا في فترة الحرب العالميّة الثانية. في أيار وحزيران من العام 1940، وجد نفسه يواجه واقع وجود آلاف من اللاجئين خارج القنصلية البرتغالية يحاولون الهروب من أهوال آلة الحرب النازية، وهم في حاجة ماسّة إلى تأشيرات للخروج من فرنسا، حيث ستسمح لهم التأشيرة البرتغالية بالمرور الآمن عبر إسبانيا إلى لشبونة، عاصمة البرتغال، ويمكن أن يجدوا هنالك الحرية في السفر لمناطق أخرى من العالم، كون البرتغال كانت إحدى الطرق الأخيرة للهروب من القارة ، وسياسي وقائد عسكري أثيني، ويلقب بالعادل، وكان ابن عائلة ذا ثراء متوسط، اشتهر بدوره في الحرب ضد الفرس ، فقبل 80 عاما، أصيب دبلوماسي برتغالي باكتئاب شديد، وشاهد شعره وهو يتحول إلى اللون الرمادي خلال أيام قليلة، عندما شاهد شوارع مدينة بوردو الفرنسية وهي تعج باليهود الذين كانوا يحاولون الهرب من النازيين ، وكان أريستيديس دي سوسا مينديس يعمل آنئذ قنصلا عاما للبرتغال في بوردو، وواجه في ذلك الحين معضلة أخلاقية قضّت مضجعه. فهل ينبغي عليه أن ينفذ أوامر حكومته، أم أن ينقاد لما يمليه عليه ضميره بإصدار تأشيرات لليهود تسمح لهم بالهرب أمام تقدم الجيوش الألمانية؟
وكان تصرف سوسا مينديس الإنساني الرائع في ذلك الوقت كفيلا بأن يتذكره الناجون الذين كانوا يعدون بالآلاف وأحفادهم كبطل.
ولكن مبادرته أدت أيضا إلى إنهاء خدماته كدبلوماسي في نظام الدكتاتور البرتغالي أنطونيو سالازار، وقضى أعوامه الأخيرة في فقر مدقع.
ولكن الحكومة البرتغالية منحت الدبلوماسي السابق الاعتراف الذي يستحقه في التاسع من حزيران/يونيو، حين قرر البرلمان البرتغالي بأن يحمل نصب في الصرح الوطني اسمه.
وكانت قد أصدرت البرتغال (المحايدة في الحرب)، الواقعة تحت حكم أنطونيو سالازار، تعميمًا لجميع دبلوماسييها يقضي بمنع منح جميع اللاجئين (بما فيهم اليهود والروس وغيرهم ممن لم يحملوا جنسية بلادهم الأصلية) الملاذ الآمن في العبور إلى البرتغال. إلا أن أريستيديس وقف ضد هذه الأوامر اللاإنسانية، واتبّع ضميره بدافعٍ من إيمانه الكاثوليكي الراسخ قائلاً: “أفضل أن أقف مع الله ضد الإنسان، بدلاً من أقف مع الإنسان ضد الله”.
وعلى الرغم من درايته للعواقب التي يمكن أن يواجهها بسبب أفعاله، فقد أصدر آلاف التأشيرات لجميع اللاجئين بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو الدين أو الآراء السياسية، وخاصة في الفترة ما بين 12 إلى 23 حزيران 1940. وقد وصف مؤرخ المحرقة اليهوديّة يهودا باور ما فعله أريستيدس بأنه “ربما أكبر عملية إنقاذ من قبل شخص واحد خلال المحرقة”.
أدى شعوره الإنساني الشجاع إلى نبذه من قبل محيطه. فلم يعد قادرًا على مواصلة عمله كدبلوماسي، ومُنع من كسب لقمة عيشه اليوميّ لإعالة أسرته، كما مُنع أولاده من إيجاد عمل يدّر عليهم بالدخل. وقد قضى بقية حياته محاولاً توضيح ما فعله، ولكن تم تجاهلها من قبل النظام السياسي البرتغالي في ذلك الوقت. توفي أريستيديس فقيرًا يوم 3 نيسان 1954 في المستشفى الفرنسيسكاني في لشبونة. ولكن حتى نهاية حياته الأرضيّة كان يدرك بأن عمله كان مبرّرًا في سبيل إنقاذ أرواح آلاف الأبرياء، وكما قال هو بنفسه: “لم يكن بإمكاني التصرّف بطريقة مغايرة، لذا أقبل كل ما أصابني بكلّ محبّة”.
ففي أواسط حزيران / يونيو من عام 1940، كانت قوات هتلر قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر ناجز على فرنسا. فقد سقطت العاصمة الفرنسية باريس في الـ14 من يونيو/حزيران، ووقع الجانبان المتحاربان اتفاقا للاستسلام بعد أسبوع واحد من ذلك.
وكانت الإدارة اليمينية لسالازار قد أصدرت تعليمات مشددة لدبلوماسييها بألا يصدروا تأشيرات لليهود وغيرهم ممن لا يحملون جنسية بلد بعينه إلا بعد أن يحصلوا على موافقات من العاصمة البرتغالية لشبونة.
ولم يكن لآلاف الناس الذين كانوا يملأون شوارع بوردو بأمل التمكن من اجتياز الحدود إلى إسبانيا والهرب من بطش النازيين الوقت الكافي للانتظار.
ويقول أونري داينر، الذي كان يبلغ آنذاك الثالثة من عمره، ولكنه يحتفظ بذكريات واضحة حول هرب أسرته اليهودية من مدينة أنتويرب البلجيكية عند تقدم القوات الألمانية واحتلالها لبلجيكا وهولندا وفرنسا، “سمعنا أن الفرنسيين استسلموا وأن الألمان يتقدمون”.
“ما أتذكره هو دويّ القصف الذي أيقظني من النوم، ولكن والدتي قالت لي إنه مجرد رعد”.
وقال داينر، المهندس المتقاعد الذي يقيم الآن في نيويورك: “شغّل والداي المذياع، وسمعا ملك البلجيك ليوبولد وهو يقول لشعبه بأننا قد تعرضنا لخيانة كبرى من جانب الألمان. كان والدي يتوقع اندلاع الحرب منذ عام 1938، وكان قد أعد خطة لمواجهة هذا الاحتمال وكانت له سيارة”.
عندما واصل الألمان تقدمهم، قرر والد أونري، أليعزر داينر وزوجته سبرينس وخمسة من أقاربهم بمن فيهم رضيع لم يتجاوز عمره سبعة شهور، مغادرة أنتويرب إلى فرنسا ، وقال داينر “حاول والدي تجنب الطرق المهمة، وتجنب الدخول إلى باريس وتمسك بالطرق الساحلية. كان يريد أن يكون على مسافة 10 كيلومترات من جبهة القتال في كل الأوقات لأنه كان يعتقد أن الحرب ستكون قصيرة الأمد وأنه سيكون بإمكانه العودة عندما تستتب الأمور”.
ولكن بعد أن شاهد الطائرات الألمانية وهي تقصف المواقع الفرنسية وسمع عن الانتصارات الألمانية المتلاحقة، تيقن والد أونري بعد وصولهم إلى بوردو بأنه لن يكون هناك أي أمل في عودة الأسرة إلى أنتويرب في القريب العاجل ، وفي بوردو، كان القنصل البرتغالي قد كوّن علاقة مع أحد الحاخامات اليهود. وكان الحاخام المذكور، حييم كروغر، قد فر بدوره من مسكنه في بلجيكا مع تقدم القوات الألمانية ، وأتاح القنصل سوسا مينديس للحاخام وأسرته فرصة الانتقال الآمن إلى إسبانيا، ولكنه واجه بعد ذلك “أزمة أخلاقية”، حسب ما يقول المؤرخ مردخاي بالديل.
فقد رفض الحاخام عرض القنصل بنقله إلى إسبانيا، وكانت حجته أنه لا يستطيع ترك الآلاف من اللاجئين في بوردو.
وقال مينديس في رسالة بتاريخ 13 يونيو/حزيران 1940، “إن الوضع مروّع هنا، وأنا طريح الفراش جراء انهيار عصبي شديد”.
وقال بالديل، الذي كان يدير قسم “الخيّرون من الأمم” في متحف ياد فاشيم الإسرائيلي لضحايا المحرقة اليهودية لأكثر من 25 سنة: “لم يكن أحد على علم بما كان يفكر به في تلك الأيام”.
“يقول البعض إن واجب الدبلوماسي هو تنفيذ الأوامر التي تصدر له من إدارته العليا، بما فيها الأوامر التي تتنافى مع القواعد الأخلاقية”.
“ولكن، وفي وقت لاحق، هذا الذي قاله سوسا مينديس لأحد الحاخامات ‘إذا كان يجب على هذا العدد الكبير من اليهود أن يعانوا بسبب كاثوليكي واحد، فإنه من المقبول أن يعاني كاثوليكيا واحدا من أجل هذا العدد الكبير من اليهود’. وكان في ذلك يشير إلى هتلر بالطبع”.
ولكن، ومهما كان يدور في ذهن الدبلوماسي البرتغالي، ظهر سوسا مينديس في 17 من يونيو/حزيران بتصميم جديد.
ويقول ابنه، بيدرو نونو دي سوسا مينديس “خرج من غرفة نومه وأعلن بأعلى صوت من الآن فصاعدا سأصدر تأشيرات لكل من يطلبها. لن تكون هناك قوميات أو أعراق أو أديان” ، وكان ذلك بمثابة حبل نجاة لأونري داينر وأسرته.
ومن محاسن الصدف أن والدة أونري كانت على معرفة بالقنصل منذ الوقت الذي قضاه في أنتويرب عندما كان يعمل سكرتيرا في القنصلية البريطانية هناك.
وكانت أسرة داينر قد حاولت الحصول على تأشيرات للسفر إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا من أجل الهرب من فرنسا، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. وكان سوسا مينديس قد شمل الأسرة في قائمة كان ينوي رفعها إلى لشبونة قبل إصابته بالانهيار العصبي.
ويقول أونري داير، الذي يتذكر مشاهد اللاجئين وهم يتجمهرون خارج مبنى القنصلية البرتغالية في بوردو، “تتذكر والدتي أنه توارى عن الأنظار لعدة أيام، وعندما ظهر ثانية كان شعره قد تحول إلى اللون الرمادي”.
وقال “بدأت والدتي بالعمل لدى سوسا مينديس في تلك الأيام، إذ كانت تساعد في ترتيب معاملات طالبي التأشيرات. لقد أنقذ سوسا مينديس أرواحنا”.
لا يعلم أحد بالعدد الكلي للتأشيرات التي صدرت في بوردو وسمحت للاجئين بالعبور من فرنسا إلى إسبانيا والانتقال بعد ذلك إلى البرتغال، ولكن التقديرات تشير إلى أن العدد يتراوح بين 10 آلاف و30 ألفا تمكن معظمهم من الانتقال بعدئذ إلى القارتين الأمريكيتين.
وتعرفت مؤسسة سوسا مينديس الأمريكية على نحو 3800 من الحاصلين على تلك التأشيرات.
وكان سوسا مينديس، وكأنه كان مدفوعا بغاية كبرى، يوقع على طلبات التأشيرات في الطرق في بوردو عندما كانت الحشود تتوجه إلى بلدة هينداي الحدودية بين فرنسا وإسبانيا. وتوقف في القنصلية البرتغالية في بلدة بايون حيث أصدر المزيد من التأشيرات.
وبدأت وزارة الخارجية البرتغالية بإرسال البرقيات إلى بوردو تأمره فيها بالتوقف عن إصدار التأشيرات بعد أن قال زملاؤه إنه “فقد عقله”.
وقالت السلطات الإسبانية إن التأشيرات التي يصدرها غير نافذة، ولكن بعد فوات الأوان، إذ كان الآلاف من اللاجئين قد اجتازوا بالفعل الحدود إلى إقليم الباسك الإسباني.
في نهاية المطاف، رفع سوسا مينديس تقريرا إلى رؤسائه في وزارة الخارجية البرتغالية في الثامن من تموز / يوليو وكان من ضمن الذين تمكنوا من الهرب من فرنسا المحتلة آنذاك بفضل التأشيرات التي أصدرها الفنان السريالي سلفادور دالي والمخرج السينمائي كينغ فيدور وأفراد من أسرة روثشايلد المصرفية وغالبية أعضاء الحكومة البلجيكية في المنفى وكانت حكومة الديكتاتور اليميني سالازار قد حظيت لاحقا بالثناء لسماحها للاجئين بالهرب من الاحتلال والبطش النازي، ولكن سوسا مينديس كوفئ بالطرد من السلك الدبلوماسي وحرم حتى من راتبه التقاعدي وأصبح منزله في بلدة كاباناس دي فيرياتو عبارة عن ركام، وهو وضعه إلى يومنا هذا.
ويقول أونري داينر “اضطهد سالازار سوسا مينديس. فقد مات في ظروف مزرية كإنسان معدم واضطر أبناؤه إلى الهجرة إلى بلدان أخرى من أجل بناء مستقبلهم” وانتهى الأمر بأسرة أونري في البرازيل قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة لأغراض مهنية. ولكنه ما يزال يتذكر الرجل الذي كان وفيا للمبادئ التي كان يؤمن بها.
ويقول “في الوضع الذي نراه في العالم حاليا، نحتاج إلى المزيد من الناس الذين هم على استعداد للنهوض والدفاع عما هو صحيح”.
من هو أريستيديس دي سوسا مينديس ؟
لم يصلنا الكثير عن أوائل سنين حياته أكثر من أنه أصبح تابعا للسياسي كليسثنيس وأيد الحزب الأرستقراطي في السياسة الأثينية. بزغ نجمه أولا كقائد عسكري (ستراتيغوس) في قيادة قبيلته الأنطيوخيين في معركة ماراثون، ومما لا شك فقد انتخب رئيس الأرخون للسنة اللاحقة (489-488 قبل الميلاد) كنتيجة للشهرة التي حققها بعد المعركة. وتماشيا مع سياسته المحافظة التي استهدفت إبقاء أثينا كقوة برية، فقد كان أحد المعارضين الرئيسيين لسياسة ثيميستوكليس البحرية.
انتهي النزاع بين الزعيمين بنفي أريستيدس من غير محاكمة، وكان هذا في تاريخ يختلف عليه بين عامي 485 أو 482 قبل الميلاد. ويقال بأنه في هذه المناسبة أتي إليه ناخب لم يعرفه، وأعطاه قطعته الفخارية، وطلب منه أن يكتب فوقها اسم أريستيدس. وسؤل الأخير إن كان أريستيدس أخطأ بحقه، فأجاب بالنفي، وقال “أنا لا أعرفه حتى، لكن الأمر يزعجني عندما أسمعهم في كل مكان يدعونه العادل”.
في بدايات العام 480 ق م استفاد أريستيدس من المرسوم الذي يقول: أن المنفيين ما بعد معركة سالاميس سيساعدون في الدفاع عن أثينا ضد المحتلين الفرس، وانتخب كقائد عسكري لسنة 480 – 479 قبل الميلاد. وفي حملة سالاميس دم دعمه ولاءه إلى ثميستوكليس، وتوج النصر بإنزال المشاة الأثينيين على جزيرة بسيتاليا وأباد الحامية الفارسية المتمركزة هناك.
في عام 479 ق م أعيد انتخابه في منصب قائد عسكري، وائتمن على القوات الخاصة كقائد الفريق الأثيني في معركة بلاتيا؛ ويقال أيضا أنه قمع مؤامرة بين بعض المتذمرين الأوليغاركيين في الجيش، واستطاع تهدئة الأمور بتعقل، ولعب دورا بارز في الترتيب لاحتفالات النصر. في عام 478 أو 477 قبل الميلاد كان أريستيدس في قيادة السرب الأثيني على بيزنطيوم، وكسب ثقة الحلفاء الأيونيين حتى أنهم عرضوا عليه القيادة وتركوا له التقدير المطلق في تثبيت الاتحاد الديلي المشكل حديثا، وذلك بعد التمرد على الأدميرال الإسبارطي باوسانياس. كما حاول الاهتمام بالنظام الضريبي طيلة سنوات قيام الاتحاد؛ ومن المحتمل أنه اكتسب لقب العادل من هذا الحادث.
ترك أريستيدس قيادة الأسطول بعد وقت قصير إلى صديقه كيمون، لكنه واصل ممارسة مهامه في قيادة أثينا. وبدا في بادئ الأمر أنه حافظ على علاقاته الطيبة مع ثيميستوكليس، والذي قيل بأنه ساعده في خداع الاسبرطيين على إعادة بناء حيطان أثينا. لكن بالرغم من الروايات التي مثل فيها المؤلفين القدماء صورة أريستيدس كمصلح ديمقراطي، فمن المؤكد بأن السياسة الأثينية خلال الفترة التي تبعت الحروب الفارسية، كانت إحدى ردود الفعل على الحرب. (وطرح بلوتارخ نظرية بأنه بعد بلاتايا فتح أريستيدس الأرخونية لكل المواطنين).
كم عدد ابناء أريستيدس
1885: ولد في كنف أسرة برتغالية ميسورة. كان “محبا للحياة” وكان له 15 ابنا، كما يقول حفيده جيرالد مينديس.
ويقول الحفيد إن “قرار سالازار بحرمانه من حقوقه التقاعدية أجبره على قضاء بقية أعوام عمره في فاقة وفقر مدقع”.
لم يتمكن سوسا مينديس من العيش إلا بفضل المساعدات التي حصل عليها من منظمة خيرية يهودية في لشبونة
1954: مات سوسا مينديس دون أن ينتبه أحد إليه بعد أن نبذبته الحكومة البرتغالية.
1966: اعترفت به مؤسسة “ياد فاشيم” الإسرائيلية كونه من “الصالحين بين الأمم”.
1988: البرلمان البرتغالي يلغي كل التهم الموجهة إليه.