دولي

الأسرة وجودة الحياة

المحتويات إخفاء
ابتداء كل إنسان طبيعي في هذه الحياة، هدفه أن يعيش في أسرة وحياة كريمة وله الحق في ذلك، ومن هذه المقدمة، هيا بنا لنسبح مسافات في بعض من الخيال، فالانسان ابن الصحراء خلق فيها وتأقلم في كونها، الإبل والجبال والأودية والسماء والمطر، وفصول السنة تظهر مؤثراتها جليه لعدم تدخل البشر، وهكذا كلما أعجبه مكانا، نصب خيمته ورتع زمنا حتى يمل أو يلوح له في الأفق بارق، فيتبع ذلك البارق بحادية تسوق إبله خلفها طربا، أوتارها أغصان الشجر، فتارة يزن ايقاع قافيته على صوت الريح لتطير بمتاعبه، وتارة على تموجات الرمال لتخفي تحتها آلامه، وأخرى على صوت الرعد وهطول المطر تستعيد نشاطه وحيويته، ويسحب بحره على مشي الإبل، أما الحرف فينتقيه من تحت أخفافها الاسفنجية ممسوحا بلا نقاط، وتعطيه هي الأخرى تحية بميلان أعناقها ونظرات الإعجاب لله درك، أن زيد في حاديتك وغنائك، فيطول السير، ويقطع الفيافي تلو الفيافي دون شعور، وحقيقة الدنيا لا تبقي على حال فمرة خصب ومرة جدب، فعندما يتزين خصبها، يجذب انسان الصحراء اللهو والمرح والركض خلف الصيد والطير والوحش فينسى كل شيء، حتى يفاجئه القدر بجدبها الرمادي، وقد يُبتلى ويطول ذلك الجدب فتصبح غبراء بعدما كانت خضراء، فيَنفق الصيد والطير والوحش وقد تتبعها الابل وبقية المواشي والأنعام، فلا عين لطير ولا أثر، فيبقى لوحده لا أنيسا ولا جليسا، فتضيق به الصحراء بما رحبت، على اتساعها، فيطوي خيمته ويضعها على ظهر ناقته، ويهجر موطنه هجرا جميلا، ويتجه بحثا عن موطن للأنس عند بني جنسه، ولديه الشعور أنهم سبقوه في التمدن والتجمعات الإنسانية سواء مدنا أو قرى، ولكن أهل القرى يتجهون كذلك الى المدن لأنها أكثر تطورا لاتساع فرص الحياة فيها، فهو من الأخير جعل وجهته الى المدن، فعندما أشرف من عالية من عوالي المدينة ولأول مرة يراها في حياته، أصابه بضجيجها وحشة، وفي مشاهدها المتنوعة متعة، قصوراً بيضاء ومباني وطرقات وحدائق منسقة هذا من حيث الشكل، ومن حيث المضمون فالناس قد صنعوا لأنفسهم نظاما ومبادئ تقيدوا بها، فكل عرف الذي له والذي عليه، فتمنى هذا المهاجر أن يكون له موضع قدم فقط، ليستقر ويعيش، فكان أول مصطلح تعلمه للحياة الجديدة وتردد على سمعه مصطلح (غرفة)، فاتبع السبب وتحققت له تلك الأمنية غرفة يبيت فيها لوحده، ويأوي إليها وقت الراحة، ويراها شيئا عظيما مقارنة بخيمته، وجبلة الانسان الاجتماعية والمؤانسة، فكّون له أصحابا يلتقي بهم ويستأنس وربما صاهرهم، فتعلم بعض المصطلحات المدنية الدالة على الضرورات والاحتياجات المدنية ومن بينها مصطلح (شقة) وهو المصطلح الأكثر رواجا في مخالطته مع أصحابه، فتمنى مثلهم شقة، وما هو الا زمنا قام فيه ببعض الأسباب، وقد ملك شقة ومع ملكه للشقة، زادت التكاليف والمشقة وتغيرت الحالة الاجتماعية لدى جلسائه وهو مثلهم، فتباعد مجلسهم وتطور حديثهم والحالة تقتضي ذلك، وقد طغى على حديثهم مصطلح (فلة)، فسحبته أمنياتهم، فتمنى مثلهم وهكذا على المسحوب الأمنيات لا تنتهي والرغبات تتفاوت بناء على طبقات المجتمع وأذواقه، وقد تقذفنا الأذواق بعيدا عن الهدف، فبدل ما نسعى لتحقيق جودة الحياة ومقاصدها الكريمة، تنفلت الحياة فتصبح قيمة الفاتورة مكلفة جدا لاصلاح آثارها الاجتماعية قبل إصلاح آثارها الاقتصادية إذ أمن الأسرة من مخزون جودة الحياة وليس من مخزون البنوك والثاني وسيلة والأول ركيزة.

الأسرة وجودة الحياة – صحيفة أنحاء الإلكترونية

ابتداء كل إنسان طبيعي في هذه الحياة، هدفه أن يعيش في أسرة وحياة كريمة وله الحق في ذلك، ومن هذه المقدمة، هيا بنا لنسبح مسافات في بعض من الخيال، فالانسان ابن الصحراء خلق فيها وتأقلم في كونها، الإبل والجبال والأودية والسماء والمطر، وفصول السنة تظهر مؤثراتها جليه لعدم تدخل البشر، وهكذا كلما أعجبه مكانا، نصب خيمته ورتع زمنا حتى يمل أو يلوح له في الأفق بارق، فيتبع ذلك البارق بحادية تسوق إبله خلفها طربا، أوتارها أغصان الشجر، فتارة يزن ايقاع قافيته على صوت الريح لتطير بمتاعبه، وتارة على تموجات الرمال لتخفي تحتها آلامه، وأخرى على صوت الرعد وهطول المطر تستعيد نشاطه وحيويته، ويسحب بحره على مشي الإبل، أما الحرف فينتقيه من تحت أخفافها الاسفنجية ممسوحا بلا نقاط، وتعطيه هي الأخرى تحية بميلان أعناقها ونظرات الإعجاب لله درك، أن زيد في حاديتك وغنائك، فيطول السير، ويقطع الفيافي تلو الفيافي دون شعور، وحقيقة الدنيا لا تبقي على حال فمرة خصب ومرة جدب، فعندما يتزين خصبها، يجذب انسان الصحراء اللهو والمرح والركض خلف الصيد والطير والوحش فينسى كل شيء، حتى يفاجئه القدر بجدبها الرمادي، وقد يُبتلى ويطول ذلك الجدب فتصبح غبراء بعدما كانت خضراء، فيَنفق الصيد والطير والوحش وقد تتبعها الابل وبقية المواشي والأنعام، فلا عين لطير ولا أثر، فيبقى لوحده لا أنيسا ولا جليسا، فتضيق به الصحراء بما رحبت، على اتساعها، فيطوي خيمته ويضعها على ظهر ناقته، ويهجر موطنه هجرا جميلا، ويتجه بحثا عن موطن للأنس عند بني جنسه، ولديه الشعور أنهم سبقوه في التمدن والتجمعات الإنسانية سواء مدنا أو قرى، ولكن أهل القرى يتجهون كذلك الى المدن لأنها أكثر تطورا لاتساع فرص الحياة فيها، فهو من الأخير جعل وجهته الى المدن، فعندما أشرف من عالية من عوالي المدينة ولأول مرة يراها في حياته، أصابه بضجيجها وحشة، وفي مشاهدها المتنوعة متعة، قصوراً بيضاء ومباني وطرقات وحدائق منسقة هذا من حيث الشكل، ومن حيث المضمون فالناس قد صنعوا لأنفسهم نظاما ومبادئ تقيدوا بها، فكل عرف الذي له والذي عليه، فتمنى هذا المهاجر أن يكون له موضع قدم فقط، ليستقر ويعيش، فكان أول مصطلح تعلمه للحياة الجديدة وتردد على سمعه مصطلح (غرفة)، فاتبع السبب وتحققت له تلك الأمنية غرفة يبيت فيها لوحده، ويأوي إليها وقت الراحة، ويراها شيئا عظيما مقارنة بخيمته، وجبلة الانسان الاجتماعية والمؤانسة، فكّون له أصحابا يلتقي بهم ويستأنس وربما صاهرهم، فتعلم بعض المصطلحات المدنية الدالة على الضرورات والاحتياجات المدنية ومن بينها مصطلح (شقة) وهو المصطلح الأكثر رواجا في مخالطته مع أصحابه، فتمنى مثلهم شقة، وما هو الا زمنا قام فيه ببعض الأسباب، وقد ملك شقة ومع ملكه للشقة، زادت التكاليف والمشقة وتغيرت الحالة الاجتماعية لدى جلسائه وهو مثلهم، فتباعد مجلسهم وتطور حديثهم والحالة تقتضي ذلك، وقد طغى على حديثهم  مصطلح (فلة)، فسحبته أمنياتهم، فتمنى مثلهم وهكذا على المسحوب الأمنيات لا تنتهي والرغبات تتفاوت بناء على طبقات المجتمع وأذواقه، وقد تقذفنا الأذواق بعيدا عن الهدف، فبدل ما نسعى لتحقيق جودة الحياة ومقاصدها الكريمة، تنفلت الحياة فتصبح قيمة الفاتورة مكلفة جدا لاصلاح آثارها الاجتماعية قبل إصلاح آثارها الاقتصادية إذ أمن الأسرة من مخزون جودة الحياة وليس من مخزون البنوك والثاني وسيلة والأول ركيزة.


زر الذهاب إلى الأعلى

السابق
التأكيد على شركات الداخل بعدم إلقاء المخلفات في الأودية
التالي
5 مطالب للأسر المنتجة في الدرب