ماذا يحدث لو أنه لا يوجد يوم الأخر فهل يعقل أن هذا الإنسان العجيب الذي سلّطه الله على نواحي عديدة من الطبيعة يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام؟! إن العقل لا يصدق هذا..! وإلا فلماذا خلقه الله بهذا الوعي، ومنحه كل هذه المواهب؟! – وهو الوحيد الذي ائتمنه الله على الوحي، وأرسل له الأنبياء، وصنع معه المعجزات – إن كان مصيره ينتهي إلى الفناء، وحفنة من تراب!! وهذا لا يتفق أيضاً مع وعود الله له بالحياة الأبدية. وبالسماء!
ماذا يحدث لو أنه لا يوجد يوم الأخر
ولو لم تكن قيامة، لكان جسد الإنسان لا يتميز عن جميع المخلوقات الأخرى ذوات الأجساد، بينما هو يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً، وأن يقوم لبعضها بواجب الرعاية والاهتمام إن أراد، وأن يقوم على البعض الآخر بحق السيطرة والاستخدام.. فإن لم تكن هناك قيامة، وأصبح مصير جسده كمصير باقي تلك الكائنات غير العاقلة، إذن لزالت كرامة هذا البشري السيد الذي سلطه الله على غيره من الكائنات الجسدية!
لو لم تكن قيامة. لضاعت المسؤولية الضميرية وخشية الحساب الأخير.. فمن المعروف أن الإنسان حينما يقوم من الموت، يقف أمام منبر الله العادل ليعطي حساباً عن كل ما فعله بالجسد خيراً كان أم شراً.. يعطي حساباً ليس فقط عن أعماله، إنما أيضاً عن نياته وأفكاره ومشاعره الداخلية؛ ومادام سيقوم، فإنه لذلك يحيا حياة التدقيق والحرص.. حياة البر والفضيلة التي يقف بها أمام الله في يوم الدين بلا خوف، وأمام الناس بلا خجل. فإن لم تكن قيامة، ولم يكن حساب ولا خوف ولا خجل، إذن على رأي المثل “من لا يستحي. فليفعل ما يشاء”!!.. إذن لو لم تكن قيامة. لانتشر الفساد، وانتشرت الأبيقورية التي تقول “لنأكل ونشرب، فإننا غداً نموت”! إذن لتهالك الناس على ملاذ الناس وعلى شهواتها، مع السعي إلى المادة بكل قوة ولهفة..! ولو لم تكن قيامة. لسادت في العالم شريعة الغاب، وأكل الناس بعضهم بعضاً، واستبد القوي بالضعيف، وساد الظلم والقسوة..! بل لانعدمت المبادئ والقيم أو قلَّ شأنها وتأثيرها إلى حد بعيد..!
ماذا لو لم يكن بعد الموت جنة ونار؟
لو تبين بعد الموت أنه ليس ثمة جنة أو نار فلن يكون لدي ما أخسره، لقد منحني الإيمان جوائزه المعجلة في الدنيا، فعشت حياتي آمناً راضياً. لقد ظننت في دنياي أن هناك إلهاً يرعاني ويدبر أمري فاطمأن قلبي، لقد دارت علي الحياة كما تدور على كل مؤمن وكافر بخيرها وشرها، بسرائها وضرائها، فلم تزدني السراء إلا شكراً ولم تزدني الضراء إلا صبراً ورجاءً، فكان أمري كله خيراً، واكتسبت بشكري وحسن ظني بالله مزيداً من فرص الخير والنعمة وحفظت نفسي من مهاوي اليأس والجزع.
لقد حررني الإيمان في الدنيا من أمراض القلوب من حسد وغل وكبر، إذ عرفت أن الرزق مقسوم وأن الله مطلع على قلوب عباده، يعطيهم ويمنعهم لحكمة، وأن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة، فلم أشغل نفسي بالتحاسد والتباغض، وعلمت أن كل نفس بما كسبت رهينة وأن إصلاح نفسي أولى من التذمر ومراقبة غيري.