قصة غرق الدكتور حسام جمعة من القصص الملهمة المبكية والغريبة. وقد حدثت هذه القصة في عام 2006 في المملكة العربية السعودية، وقد حكاها صاحبها ليتخذ منها المسلمون العظة والعبرة، ولكي يعلم الناس أن تدابير الله تعالى لا يفوقها تدبير، وأن الله لا يرد عبدًا دعا الله من قلبه ليحفظه وينقذه من الشرور، وكثير من العبر والعظات المستفادة التي ينفطر لها قلب المؤمن.
من هو الدكتور حسام جمعة
سجلت قصص الدكتور حسام جمعة واحدة من القصص الملهمة التي تناقلها الأفراد عبر سنوات وسنوات من أجل إدراك لطف الله تعالى بعباده، والدكتور حسام صاحب القصة هو عضو هيئة تدريس بجامعة في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، ووقت حدوث الحادث له كان لديه ابنتين، وفي قصته الكثير من المواعظ والعبر في أن الله تعالى يسمعنا ويرانا ولو كنا في جوف البحر، وأن الدعاء والتضرع لـ الله تعالى من قلبٍ خاضعٍ خاشعٍ مطمئن يجيبها الله تعالى وينجي عباده من الهلاك. وقد حكى الدكتور حسام هذه القصة بعد عدة أشهر من حدوثها له، ونقلها عنه الكثير من الشيوخ والأئمة والدعاة. وقد حدثت هذه القصة في بداية الألفية الحديثة، وتحديدًا في عام 2006 مـ.
قصة غرق الدكتور حسام جمعة
بعد أن انتهت هذه القصة على سلام، واستطاع الدكتور حسام جمعة التقاط أنفاسه، واستيعاب ما جرى له، قام بحكاية ما حدث له، وقبل أن يروي القصة يؤكد على أن ما حدث له هو أغرب ما عاش به في حياته، وأنه لو كان قد سمع هذه القصة من أحد الأشخاص ولم تحدث لشخصه، لما تمكن أن يصدقها من هول ما جرى فيها. ويحكي أنه قبل هذه التي تقع، وتحديدًا قبل شهر منها، ذهب مع أحد أصدقاءه من أجل زيارة مريض -لم تكن له سابق حضور به- وكان المريض لا يقوى على الحراك، ومستلقي على ظهره منذ أربعة عشر عامًا وقت زيارته له، وعلى الرغم من هذه السنوات الطويلة التي عانى فيها من المرض إلا أنه لم يكُن يجزع أو يقنط من رحمة الله، وإنما كان متفائلًا مستبشرًا، وراضٍ بحاله، مدركًا أن رضاه بمرضه هو بوابة دخوله لـ الجنة.
ويسنطرد قائلًا: “ظهرت من منزل هذا الرجل شخصًا انتهاء، لستُ من دخل إليه، فكانت كلماته البسيطة التي تسلب العقل والفؤاد هي ما يعينني على قضاء أيامي التالية لها، حيث كان الشهر الذي بدأ منذ زيارتي لهذا المريض، وحتى حدوث هذه المحنة لي هو شهر المحاسبة، فقد عملت فيه على إعادة حسابات حياتي، واسترجاع أحداثها، وتغيّرت نظرتي للحياة بشكل كبير، ومن أهم ما فعلته هو حرصي على زيارة والديّ يوميًا حتى ولو لبضع دقائق، فقد كنت أشعر بأن الموت يقترب مني، ولا بد أن أقوم بالاستعداد لهذا اليوم من الآن”.
تابع أيضًا:
بدء القصة والذهاب في رحلة للصيد
يتحدث الدكتور حسام عن بدء قصة الغرق التي تعرّض لها بأنه قد اعتاد منذ سنوات الذهاب مع اثنين من أصدقائه لـ الغوص والصيد في مدينة جدة، على الأقل مرتين في الشهر، وصديقيه اللذين كان يذهب معهما للصيد هما: طلعت مدني، وقد اعتادا الذهاب لـ هذه الرحلة منذ عام 1994 والثاني فهو صديق فلبيني الجنسية اسمه ماننج، ودخل لـ الإسلام في عام 2005 وأطلق على نفسه اسم “يوسف”. وفي هذا اليوم، وكان يوم الخميس الموافق للثامن عشر من شهر مايو.. تأخر الدكتور حسام في عمله قليلًا، وانتظره الصديقين، وذهبا معًا لـ منطقة “الوسطاني” التي تبعد عن غرب حوالي 20 كيلو مترًا. وحصل الأصدقاء على تصريح الغوص من مكتب حرس الحدود.
بدأ الأصدقاء بالرحلة عبر ركوب القارب الذين اعتادوا استخدامه للذهاب لتلك الرحلات، وبعد أن وصلوا لـ الجهة المقصودة، أنزلوا المرساة لتثبيت القارب حتى التخلص من الغوص، ولكن الأمواج في هذا اليوم كانت شديدة جدًا، ولم تستطع المرساة تثبيت القارب وحدها، فعملوا على تدعيمها بمرساه أخرى زيادة في الحرص على عدم هلاك القارب من هذه الأمواج. وبعد التأكد من تثبيت القارب نزل الأصدقاء الثلاثة لبدء رحلة الغوص ، وكانت هذه أحد الأخطاء التي وقعوا فيها -أنهم لم يتركوا أحدًا على القارب، ونزلوا ثلاثتهم لـ البحر ضمن هذه الأمواج المتلاطمة- وبعد مرور 40 دقيقة عادوا لـ القارب من أجل الراحة.
تناول الأصدقاء الحديث حول مشقة رياضة الغوص عليهم، وأبدى الدكتور حسام لصديقه طلعت رغبته في السيرش عن هواية أخرى لقضاء أوقاتهم الممتعة فيها، ولكن طلعت أخبره بأنهم على الأقل لديهم عشر سنوات في ممارسة هذه اللعبة، فلم يتقدم بهم العمر كثيرًا كما يظن الدكتور حسام، فطلعت يعرف بشكل شخصي أفرادًا يمارسون الغوص وقد تخطوا الستين من أعمارهم.
كيف بدأت المحنة ؟
بعد أن استراح عادوا مرة ثانية لـ الغوص، واتفقوا على أن يبقى أحدهم قريبًا من القارب لكي يطمئن على عدم حركته بعيدًا عنهم، وبعد مرور ثلاثين دقيقة من الغوص اكتشف الدكتور حسام أن المرساة القريبة منه قد انقطعت، وكلّف طلعت للذهاب للتحقق من المرساة المختلفة، ولكنه لم يجدها، بعد دقيقتين من صعود طلعت على سطح الماء (وهي المدة التي يستغرقها الدكتور حسام من أجل الانتقال من عمق الماء لـ سطحه، فلو خرج فجأة من الماء فسوف يتضرر من الاختلاف في الضغط الجوي). حينما صعد الدكتور حسام لـ سطح الماء لمح الذعر باديًا على ملامح صديقه وهو يصرخ: “القارب.. القااااااارب” وكان القارب قد ابتعد عنهم عدة مئات من الأمتار تقدر بثلاثمائة متر تقريبًا.
في هذه اللحظة تذكر الدكتور حسام الحادث الصعب الذي عاش به قبل عدة سنوات من هذا اليوم واستكمل قصة غرق الدكتور حسام جمعة، وأنه تمكن الوصول لـ القارب بعد خمس ساعات من السباحة المتواصلة، والتي مرت عليه كأنها أعوام طويلة ولكن مع الاختلاف الشاسع في الأحوال الجوية، فقد كان الجو هادئًا وقتها، والأمواج حركتها طبيعية، كما تذكّر بأن سبب الذي جعله الله له من أجل اللحاق بالقارب هو أن المرساة التي تدلت من القارب اصطدمت بأحد الصخور فجعلت حركته أبطأ فكان قدر الله له للنجاة. ولكن هذه المرة وفي هذه المنطقة التي ذهبوا للغوص فيها فلا توجد أي شعاب مرجانية ولا صخور قد يصطدم بها القارب، وبالتالي فمن المستحيل اللحاق به.
ماذا بعد ضياع القارب هل هناك أمل للنجاة!
بالرغم من التجربة الصعبة التي عاش بها الدكتور حسام، فإنه ثقته -التي اكتشف أنها زائفة- بنفسه جعلته يقوم بإلقاء سترة الغوص، وأسطوانة الهواء، والبندقية الخاصة بالصيد، وبدأ في السباحة بكل ما يستطيع من قوة، وفي خلال هذه اللحظات عاش قارب صيد بجواره، فصرخ لهم بأعلى صوته لعلهم يساعدوه على الوصول لـ قاربه، ولكنهم لم يستطيعوا سماعه، ولما فقد الأمل في سماعهم له، استمر في السباحة، وبعد مرور ساعة من السباحة في محاولة الوصول لـ القارب، لم يجد الدكتور حسام أي فرق في قدرته على الوصول لـ القارب، فهي تقريبًا ثابتة لا يتغير ولا يحدث أي اقتراب، وبعد مرور ساعة أخرى تيقن من أنه لن يستطيع اللحاق بالقارب، فقد أخذت المسافة بينهما تزداد والقارب لا يتوقف عن التحرك، كما أن مساره قد تغير عدة مرات ولم يستطع اللحاق به!
وعلى الرغم من اليقين الداخلي له بأنه لن يستطيع اللحاق بالقارب، خاصة وأن قد بدأت في الغروب وبدأ الليل يدق أجراسه، إلا أنه تذكّر أنه قد نجا في المرة السابقة، وأنه يستطيع بمهارته -وكان من الأخطاء التي ارتكبها أن ظن بأن قدرته على السباحة هي التي أنقذته في المرة السابقة وليست قدرة الله تعالى- أن يلحق بالقارب، فضاعف من قدرته على السباحة على أمل الوصول لـ القارب، ولكن دخل الظلام وأرخى سدوله على مد بصره، واختفى أي أثرٍ للقارب. وفي هذه اللحظة بدأ اليأس يدب لـ روح الدكتور حسام، وظن أنه هالكٌ لا محالة، وأخذ يلوم نفسه بأن ثلاثة أرواحٍ ستُزهق في هذا البحر مترامي الأطراف نتيجة خطأ كهذا!! ما أضعف الإنسان وأهونه لتكون نهايته بهذه الطريقة.
لا مفر من اللجوء لـ الله فبابه لا يغلق بعد أن أغلقت أبواب النجاة
وتستمر قصة غرق الدكتور حسام جمعة في عرض، حيث لا قوارب، ولا سترة للنجاة، ولا وجود لأي طعامٍ أو شراب، وبعد أن أدرك الدكتور حسام أنه هالك لا محالة، انفتحت في قلبه أبواب الرجاء والتضرع لـ الله تعالى، فلا يسمعه ولا يراه سوى الله تعالى، ولا غيره قادر على إنقاذه مما هو فيه. وبدأ الدكتور حسام في استرجاع دعاء يونس وهو في بطن الحوت “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” وأخذ يرددها بيقين وتضرع. وفي هذه الأثناء، تذكر أنه قد فاتته صلاة العصر، فتوضأ من ماء البحر، وأدى صلاة العصر وهو في الماء. وعن هذه اللحظات يتحدث فيقول:
” في هذه المرة استشعرت معنى للوضوء لم أشعر به طوال سنوات حياتي التي تخطت الأربعين عامًا، وجدت في الوضوء معنى غير هذا الذي كنت أجده حينما كنت آمنًا مطمئنًا، شعرت بأن وضوئي هو درعٌ يحميني من كل ما أخاف وأرهب، فكل قطرة من ماء البحر لمست موضعًا للوضوء كانت بمثابة السكينة التي تنزل على قلبي. وأما الأجزاء التي لا يشملها الوضوء من جسدي فكنت أقرأ المعوذتين وأنفخ في يدي، وأقوم بمسح جسدي بكامله.. حيث كان حرصي كله على ألا أترك جزءًا من جسدي دون حماية من الله تعالى”. شعر الدكتور حسام من أعماق قلبه أنه لا ملجأ له ولا مأوى مما هو فيه إلا الله تعالى، فأخذ يناجيه ويأمل أن ينجيه مما هو فيه كما أخرج يونس عليه السلام من بطن الحوت. وأخذ يردد : “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما أجد وأحاذر، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.
تابع أيضًا:
لا خوف مع الله ولا أمن إلا بمعيته
بعد أن لجأ لـ الله تعالى وأيقن في قرارة نفسه أنه وحده القادر على انتشاله مما هو فيه، تتابعت قصة غرق الدكتور حسام جمعة وبعد أن تضرّع لـ الله تعالى وأخذ يناجيه وهو وحده في الظلمات، شعر بسكينة تغمره، فلم يعد هناك مجال للخوف أو الذعر، واستبدا خوفه أمنًا. أمن مصدره الإيمان الكامل واليقين التام بأن الله تعالى لن يتركه في هذه المحنة وحيدًا، وأنه سينجيه، وكان من بعيد ينظر لـ الأضواء التي تزدان بها مدينة جدة ويشعر في النهاية بأن الله قادر على إعادته لـ هذه الأضواء، وإبعاده عن هذا الظلام الدامس. ويحكي عن هذه اللحظات فيقول:
“حينها لم يكن لدي سترة للسباحة تساعدني على البقاء طافيًا فوق الماء، وأخذت أتأمل الكون من حولي، هذه المرة الأولى التي أرى فيها واضحة بهذا الشكل، وأشعر بالقمر موجودًا كي يؤنس وحدتي.. شعرت في هذه اللحظان بضآلة حجمي عندما أقارنني مع الكون من حولي. بدأت أفكر في أصدقائي وماذا حل بهم، هل هم قريبون مني والدة بعيدون، بدأت أصرخ وأصرخ في هذا الفضاء الشاسع ولا مجيب. فبدأت بمناجاة الله تعالى، واستعدت سنوات عمري السابقة وأنا أصرخ: هل أنت غاضب مني يا الله! أكل ما يحدث لي بسبب غضبك عليّ!! أجبني يا الله فأنا هالك لا محالة! شعرت بقيمة الدقائق التي تمر في حياتي، وشعرت بأن كل دقيقة تمر عليّ هي الدقيقة الأخيرة، وبدأت أستغفر الله في كل نفس وحين.
تابع أيضًا:
هل سينقذ الله حسام والدة يتركه للهلاك
يستطرد الدكتور حسام وضح هذه اللحظات قائلًا: هذه اللحظات التي يتبدد فيها القوي العميق لـ الشك الكبير، بالرغم من أن الله جل وعلا لم يتركني في محنة من قبل، إلا أنني ظللت أتساءل: وماذا لو تركني الله مكافحة المصير المجهول وحدي؟ ولماذا إن كان يحبني حقًا لا يأخذني لديه، فهذا أحب ما أود أن ألقاه، وبدأت هذه الفكرة تنتشر في أعماقي وتعطيني الطمأنينة والقوة. بدأت أفقد قوتي وقدرتي على الطفو في الماء واسترحت لفكرة لقاء الله فهي أحب ما يمكنني أن أتمناه.
في هذه اللحظات اقتربت مني قوارب الصيد لكنني لم أستطع أن أصرخ طلبًا للنجاة، رأيت أضواء الكشافات تتجه نحوي فأملت أن تكون قوات حرس الحدود وهي آتية لإنقاذي، غير أنها انحرفت عن مسارها فجعلتني أفقد الثقة في إمكانية النجاة. لا أدري كيف انتهت هذه اللحظة، وبدأ النهار يبزغ فرأيت كم أنني أصبحت بعيدًا عن البر، وأخذت أناجي الله تعالى أن يكرمني بالنجاة مما أنا فيه. وفجأة ظهر بجواري مركب صيد فأخذت أسبح بكل ما أوتيت من قوة وأنا أصرخ له راجيًا أن يسمعني ولكنه لم يسمعني وابتعد كثيرًا عن مكان وجودي ،وتكررت هذه المحاولة أكثر من مرة غير أن الأمواج كانت تمنع الصيادين من الوصول إليه.
الأمل هو ما يجعلنا نحتمل كافة الآلام
ظل الدكتور حسام يصارع الأمواج المتلاطمة لمدة عشر ساعات متواصلة باتجاه محطة التحلية بمدينة جدة، وظلت قصة غرق الدكتور حسام جمعة مستمرة حيث تمكن بالفعل أن يحرز تقدمًا كبيرًا في الوصول إليها إلا أن المسافة للوصول لـ الشاطئ كانت لا تبقى شديدة البعد، ورأى فرقاطة تابعة لحرس الحدود فحاول أن يوصل صراخه لهم لكن هيهات، بعد قليل رأى طائرة هليكوبتر تابعة لحرس الحدود تطوف حول المكان المتواجد فيه لكنها لم تستطع الوصول إليه. اشتد العطش على الدكتور حسام خلال محاولاته الوصول لـ البر، وشعر بأن قواه تُستنزف وتذكر حصوة الكلى التي يعاني منها، وأن ألمها غير المحتمل قد يباغته في لحظة مما يعني أن الهلاك قد آن أوانه، ولكنه دعا الله تعالى أن يلهمه القوة، وشرب القليل من ماء البحر ليستعين به على عطشه، وأخذ يردد دعاء الاستخارة “اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أدري وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن في هذا الأمر وهو توجهي لهذا المبنى الشامخ على طريق الكورنيش الذي أراه من على بعد خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه” لكي يلهمه الله تعالى ما يفعل.
وفجأة تغير اتجاه الريح، وسارع بالسباحة في اتجاه محطة التحلية، واقترب منها بشكل كبير وكان الظلام قد بدأ يلوح في الأفق، وفي هذه الأثناء سمع أذان المغرب ينطلق من المآذن، ويحكي عن هذه اللحظة فيقول: “في هذه اللحظة بالذات شعرت بأنني أسمع الآذان للمرة الاولى، فمع انطلاق قول الله أكبر، شعرت بمعنى هذه الكلمة، وأن الله تعالى أكبر مما نمر به من أزمات أو مشكلات في حياتنا، الله أكبر من أي محنة أو كرب”. واستبشر الدكتور حسام بشرى عظيمة بهذا الأمر واعتبرها إشارة من الله تعالى بأنه ناجٍ مما هو فيه من كرب.
تابع أيضًا:
ما أضعف الإنسان إن لم يتحصن بربه الكريم
اشتدت في هذه المدة ولم يستطع الدكتور حسام الاقتراب من محطة التحلية، وفي هذه اللحظات يقول: سمعت صوت الشيطان يوسوس لي، يأتي الشيطان لابن آدم في أشد لحظاته ضعفًا، ويستميله نحو الحجود بأنعم الله.. سمعت صوتًا يهزأ بي ويقول لقد خذلك ربك، لقد أراد أن يفعل كل هذا بك، وأنت بعد قليل ميت لا محالة.. ظلت هذه الكلمات الهازئة تسخر مني، لم تكن نابعة من داخلي لكنني كنت أسمعها بشكل واضح، وأحاول النظر حولي فلا أرى إلا الأمواج المتلاطمة وهذا الصوت الذي لا يصمت.
في هذه اللحظات أدرك الدكتور حسام أن التغلب على وساوس لن يتم إلا عبر الوضوء والصلاة، لجأ للوضوء الذي اعتبره حارسه الأمين في ظل هذا الرعب البيِّن، يتوضأ ويمسح بالماء على جسده ويصرخ بأعلى صوته اللهم أعني.. اللهم أغثني، يتقرب لله تعالى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لعله بدعائه له ينجيه مما هو فيه. وبعد أن صلى العشاء شعر بأنه لا مجال للنجاة، وأنه لن يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك؛ وفجأة تذكر صاحباه وشعر بالخزي الشديد من نفسه ورغبته في النجاة بينما صاحباه لا يعرف عنهما شيئًا، وظن أنهما قد انتقلا لـ عناية الله. وفي هذه اللحظة.. قرر الاستسلام، إن الأمواج تأخذه بعيدًا بعيدًا عن الشاطئ وهو مستسلم، إذن هذه هي إرادة الله فلتكن، وأخذ يقرأ الشهادتين، ويستعيذ يالله من سوء الخاتمة، ويرجوه أن يتقبله من أهل الجنة. وقد حاول قدر جهده أن يولي وجهه للقبلة كي يكون مواجهًا لها لحظة وفاته.
وبينما هو غارق في هذه الأفكار، وأن النهاية قد حانت إذ سمع صوتًا يهز أعماقه ويصرخ من حوله قائلًا: “إنما هي شعرة بين حفظ النفس وبين الانتحار، وفي هذه اللحظة مصيرك لـ أو النار” ففزع من تخيل أنه يقوم بالانتحار وأنه سيدخل النار، وحاول استجماع ما تبقى له من قوة وبدأ بالسباحة مرة ثانية، ولكنه لم يستطع الصمود طويلًا هذه المرة، ووجد صعوبة في التنفس فأدرك أنه يعيش سكرات الموت.
وما يعلم جنود ربك إلا هو
عندما شعر بأنه يصارع الموت، وأن ما يشعر به هو علامات ما قبل الموت، استسلم استسلامًا تامًا ورضي بقضاء الله تعالى، وبدأ يغوص في الماء؛ وفجأة.. جاءت موجة عنيفة رفعته من الماء وجعلته يطفو فوق السطح، ويقول عن هذه اللحظة: شعرت كما لو كانت يد الله تتلقفني من الموت، ونسمة هواء عجيبة تدخل لـ جسمي. بعدها رأى مجموعة من الدلافين تقدر بأربعة أو خمسة يطوفون حوله، ويصدرون أصواتهم الجميلة المحببة لـ قلبه، فشعر بأنها هذه الإشارة القادمة من الله تعالى بأن الحياة لا تبقى بها متسع من الوقت. وأن موعد الموت لم يحن بعد. وهنا نزلت عليه سكينة من الله تعالى اطمأن لها قلبه. وبعد أن اقترب قليلًا من السفن المصطفة بانتظار دخول الميناء، أخذ يسبح باتجاهها بالرغم مما ينطوي عليه هذا الأمر من خطورة، لكنه لم يأبه لها، واقترب من أصغر سفينة من هذه السفن، وأخذ يصرخ بكل ما أوتي من قوة ولكن دون فائدة.
في هذه اللحظة ألهمه الله تعالى بوضع أحد زعانف تحت رأسه لتجعله يطفو فوق سطح الماء، ويغفو قليلًا وهو يردد دعاء يونس عليه السلام. وفجأة رأى قرشًا كبيرًا يقترب منه، قرش ضخم يصل طوله لـ حوالي ثلاثة أمتار، دب الرعب في نفسه، وارتفع هرمون الأدرينالين في جسده؛ ذلك الهرمون الذي يعين الجسم على التعامل مع الأزمات، وأخذ يدعو الله تعالى ويتضرع إليه أن يسخر هذا الوحش لنجاته.. يقول الدكتور حسام: ألهمني الله تعالى أن أدعوه أن يسخر هذا القرش لنجاتي، وليس حمايتي منه.. وسمع الله دعائي وتذللي له، فأخذ القرش يحوم حولي لمدة ثلاث ساعات دون أن يقترب مني، ولو كان الله تعالى قد صرح عليّ الهلاك لكنت الآن في بطن القرش، فاستعدت الأمل بالله أكثر وأكثر.
فماذا يرغب القرش إذا !
صلى الدكتور حسام ، وبدأ النهار في البزوغ، وتيقن من أن القرش الذي يحوم حوله هو من الأنواع الفتاكة التي إن اقتربت منه فهي الهلاك بعينه، وفي هذه اللحظات اقترب القرش منه، فاستجمع ما بقي له من قوة وألقى بنفسه على القرش لعله يظن به قوة، فلما ألقى بنفسه على القرش نزل لـ الماء وعاد ثانية ولكنه لم يقم بمهاجمته فأيقن بأن الله تعالى أرسله لسبب ما! وهذا سبب هو مرافقته، وليس إهلاكه، فأصبح يأنس بوجوده بعد أن كان مصدرًا للرعب بالنسبة له. وبعد ذلك ظل يقترب من السفن حتى سمع صوت محرك حوامة تابعة لحرس الحدود أخذت تقترب منه حتى وصلت إليه، وصرخ فيه أحد الموجودين بها: أأنت الدكتور حسام جمعة، فأومأ له بالإيجاب. فقال الرجل: أبشر لقد نجوت!
ويحكي الدكتور حسام بعد إنقاذه من قبل أفراد حرس الحدود أنه قد قضى أيامًا طويلة بعد هذا الحادث قبل أن يستطيع النوم بشكل طبيعي، وبعدها عرف أن وجود القرش بجواره هو رحمة من الله تعالى له، فلو كان قد استمر في السباحة لـ منطقة السفن التي كان يظن فيها نجاته لكان هلك هلاكًا شديدًا، فهذه المنطقة تُعرف باسم “بحر المواشي” وفيها يتم إلقاء المواشي المريضة من السفن قبل أن تصل لـ الميناء في جدة وتكثر فيها القروش بشكل كبير جدًا لتتناول المواشي الملقاة من السفن. ولو أنه وصل لـ هذه المنطقة لالتهمته القروش.
وإلى هنا، نكون قد وصلنا لـ ختام المقال؛ وقد تعرفنا من خلاله على قصة غرق الدكتور حسام جمعة والتفاصيل والعبر والدروس المستفادة من هذه القصة، وأهمها الإيمان بالله تعالى وأنه وحده القادر على حفظنا ورعايتنا، وله نلجأ بعد أن تنقطع بنا السبل في الحياة.